من الشام إلى القارة اللاتينية.. "ميدان" يقتفي آثار رحلات العرب إلى أقصى الجنوب
Al Jazeera
حين يتبحَّر المرء قليلا في التاريخ، يذكر أولئك المهاجرين الأُوَل، الذين حملتهم القوارب عبر المحيط الأطلسي باحثين عن الحياة في مكان آخر.. في هذه الحكايات، يقتفي “ميدان” آثارهم في أبعد قارات العالم عنا.
حين يتحدَّث أحدهم عن العرب في أميركا اللاتينية، دائما ما يذكر أسماء رؤساء بلدان القارة الجنوبية أو الأعلام من مطربين وفنانين ممَّن يحملون ألقابا عربية، إلى جانب رجال الأعمال وأصحاب النفوذ الاقتصادي الكبير من سلالة المهاجرين. وحين يتبحَّر المرء قليلا في التاريخ، يذكر أولئك المهاجرين الأُوَل في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، الذين حملتهم القوارب عبر المحيط الأطلسي باحثين عن الحياة في مكان آخر، وساعين إلى أرض "أميركا" التي لم يعرفوا عنها الكثير. لكن من بين هؤلاء وأولئك، هناك أفراد وحيدون لا يزالون يحتفظون بخطابات لا يستطيعون قراءتها، فيذهبون بها سائلين عن أجدادهم الضائعين في متاهات التاريخ، إذ ذهبوا قبل أن يُحدِّثوهم عن الأرض التي جاءوا منها، أو يُعلِّموهم بعضا من كلماتها، فيقرأون ويعرفون للمرة الأولى عن جبال الشام وعن تاريخهم الذي يودُّ الكثيرون منهم لو حملوه على ظهورهم.
نحاول هنا الاعتماد على وثائق وشهادات شخصية ورحلات بحث في حيوات هؤلاء العرب من الأجيال الثانية والثالثة والرابعة للتنقيب في تفاصيل حياتهم التي عاشوها بعيدا عن مواطنهم العربية، دون اختزالها في محض أسماء وألقاب عربية أو مناصب سياسية كبيرة، ومن ثم التعمُّق في مظاهر الحضور العربي وآثاره بالقارة اللاتينية في الأدب والثقافة والمجتمع والاقتصاد، وكذلك في الاهتمام بالقضية الفلسطينية، مرورا بأدق تفاصيل الحياة العربية اليومية، مثل الأطعمة العربية التي باتت مُكوِّنا أصيلا في طعام العديد من بلدان القارة. يروي إحدى هذه الشهادات "رامز شقرة" من "بوينوس آيريس"، عاصمة الأرجنتين، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1986، فيقول:
يبدأ التاريخُ الحديث لوصول أولى موجات المهاجرين العرب في النصف الثاني للقرن التاسع عشر، وذلك بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية بعد إعلان الدولة العثمانية إفلاسها، وهجرة المزارعين أراضيهم نتيجة تعدُّد أزمات الزراعة من ارتفاع فائدة القروض الزراعية وطول فترات الجفاف والأوبئة التي أتت على محاصيلهم، ومن ثمَّ توجهوا نحو البحث عن فرص جديدة خارج بلدانهم. كذلك لعب الصراع بين المسيحيين الموارنة والدروز دوره، وكانت إحدى إرهاصاته هي تمرُّد المزارعين الموارنة على الإقطاعيين الدروز بدعوة من "طانيوس شاهين" زعيم الفلاحين الموارنة. وقد دعمت القوات الفرنسية الموارنة، في حين دعمت منافستها البريطانية الدروز، وخلَّف الصراع حربا أهلية ومجازر وتقسيمات للمنطقة وتدميرا لقرى عديدة، ما عزَّز موجات الهجرة آنفة الذكر.