عندما نبصر في الظلام !
Al Raya
بقلم – حمد عبد العزيز الكنتي في اللحظة التي تبدأ تخرقُك الثقوبُ، في اللحظات التي تتواصل فيها انكساراتك، وتنكسر فيها مجاديفك، وتُرهقك تقلبات الدنيا وتقذفك في أودية الترنح والتيه والبعثرة والتمحيص، عندها فقط تكون قد وقفت عند باب البصيرة، لترى ما لا يُرى، وتلمح فيما خلف الحُجب من ألطاف خفية ومرايا عكسية تجعلك في قلب …
في اللحظة التي تبدأ تخرقُك الثقوبُ، في اللحظات التي تتواصل فيها انكساراتك، وتنكسر فيها مجاديفك، وتُرهقك تقلبات الدنيا وتقذفك في أودية الترنح والتيه والبعثرة والتمحيص، عندها فقط تكون قد وقفت عند باب البصيرة، لترى ما لا يُرى، وتلمح فيما خلف الحُجب من ألطاف خفية ومرايا عكسية تجعلك في قلب المواجهة مع أخطائك المعروفة والمجهولة، وخطاياك الحاضرة في ذهنك والمنسية، وحينها يُمكننا القول إنك قد بدأت تسير في الطريق الصحيح. عندما يتكبر الإنسان، ويتعاظم زيفه، ويمشي مُكبًا على وجهه، ويضل سعيه وهو يظن أنه قد أحسن صنعًا، ويتجذّر الران على قلبه، وتسكن الغفلة في فؤاده، تلتقطه الصعوبات من حيث لا يدري، فيضلّ طريق الراحة، ويتوه عن دروبه التي يعرفها، وتنخر العقوبات في جسده ونفسه وعقله وقلبه، ويبدأ في رحلة التقهقر التي تغافل سابقًا عن تنبيهاتها وإشاراتها! ليسقط في الوحل، ويبحث عن النجاة. وحينها يمكنه فقط الشروع في رحلة البحث عن الأسباب، فيتفحص نفسه المكلومة، ويُمعن النظر في جسده المُرهق، ويتأمل في أفعاله المشؤومة، وينظر فيما جنت يداه من خطايا مجنونة، منهجه في ذلك: (كن كالثلج الذائب، طهر نفسك من نفسك). ورحلة التأمل تبدأ ولا تنتهي فيظل الإنسان – بالدعاء والابتهال – كل يوم في شأن مع نفسه، يحاور ضميره، ويزيل الران عن قلبه، ويعدل ما اعوجّ من حياته، ويُرمم ما انكسر في قلبه، ليبدأ يتدرج في «مدارج السالكين» تطهيرًا وتحسينًا وتطويرًا، طموحه في كل ذلك أن يقتفي دروب الصالحين، وأن يلقى ربه بقلب سليم. ثم ماذا؟ يواصل مرحلة الصقل والترقي ليُلاحظ كل أفعاله، ويضع كل تصرفاته تحت ضوء الوعي الكامل، ليعرف حينها أن كل شيء يحصل له، صغيرًا كان أو كبيرًا، هو رسالة من الله، فما قول ذلك الرجل: (والله ما أذنبت ذنبًا إلا رأيت أثره على زوجتي أو ولدي أو دابتي) إلا تأكيد على قوة الحضور في قلب الوعي، والابتعاد كل البُعد عن الغفلة، والتنظيف أولًا بأول حتى لا يلقى الران مكانًا يسكن فيه، ولا ترهقه سِياط الضمير وصرخاته المُزعجة. حكمة المقال:More Related News