عائلة مقدسية تهدم بيتها بنفسها كي لا يسرقه المستوطنون
Al Sharq
يجلس الحاج عبد الله خضر -70 عامًا- على كرسيه المتحرك أمام بيته في بيت حنينا في القدس المحتلة، يراقب الجرافة الضخمة وهي تهدمه غرفةً تلو الغرفةً، فيما دموع الحزن تنهمرِ
يجلس الحاج عبد الله خضر -70 عامًا- على كرسيه المتحرك أمام بيته في بيت حنينا في القدس المحتلة، يراقب الجرافة الضخمة وهي تهدمه غرفةً تلو الغرفةً، فيما دموع الحزن تنهمرِ على وجنتيه، وهو لا يتوقّف عن قول "حسبي الله ونعم والوكيل" بكلمات بالكاد مفهومة. عام2017 أصيب الحاج عبد الله بجلطةٍ في إحدى المحاكم الإسرائيلية ساعة نطق القاضي الصهيوني بالحكم والذي قضى بأن بيته ملك للمستوطنين وأنه عليه الخروج منه. ورغم صعوبة الحروف الخارجة من فم الحاج بسبب تعرضه لتلك الحادثة إلا أنه اليوم مستمر في تأكيد صموده فيقول "للشرق":"لو أعطوني كنوز وملايين ما بطلع من داري، أدمرها ولا يأخذها المستوطنون"، ويضيف:"عرضوا علينا التعويض مقابل الإخلاء لكنني رفضت، أمضينا 20 عامًا بالمحاكم الصهيونية، ولكن كيف ننتظر العدل من قاضٍ هو سارق ومحتلّ؟". الحاج عبد الله وأبناؤه اتّخذ قرار هدم بيته بعد صراعٍ كبير بين خيارين أحلاهما مٌرّ، إما إخلاء بيتِه بأمرٍ من محكمة الاحتلال وآخر موعد لذلك كان يوم الخميس الماضي الموافق 12 أغسطس، أو هدمِه بنفسه بقرار منه كي لا يستولي عليه المستوطنون وينعمون به، فهم إن لم يخلوه في اليوم المحدد "الخميس" فإنهم سيُطردون منه بالقوة من قِبل المستوطنين المحميين بجنود الاحتلال المدججين بالسلاح، فكان الخيار الثاني أهون على قلبه المحطّم من أن يرى المستوطنين يعيشون فيه ويرتعون ويمرحون كما فعلوا في بيوت المقدسيين في حي الشيخ جرّاح وغيرها، وذلك وفق ما أخبرنا به "علاء خضر" ابن الحاج عبد الله. شماتة القاضي وحول هذا يروي علاء -22 عامًا- "للشرق:" لقد أصيب والدي بجلطةٍ منذ ذلك الحين، فهو لم يحتمل أن يستمر قاضي الاحتلال بإعطاء الحق للمستوطنين ببيتنا وسلب حقنا فيه وبأرضنا، سقط أرضًا ونحن بجانبه، وما زلت لا أنسى نظرات القاضي والمستوطنين الحاقدة والشامتة بما آل إليه حال والدي والإسعاف يأتي لنقله من المحكمة بعد إصدار الحكم". ويقول:" لمن نشكو همَّنا وقهرنا والقاضي غريمُنا؟ فالمستوطنون منذ عشرين عامًا يكسبون كل محكمة ويقضي القاضي بأن بيتنا لهم وهم لا يملكون أي أوراقٍ تثبت ذلك فيما نحن لدينا كل الأوراق، فنقدم الاستئنافات لكن الاحتلال يستخف بكل القوانين والحقوق، إنه سارقٌ لا يملّ من تشويه الحقائق". ويضيف:" لقد هُجِرت عائلتنا للمرة الثالثة، فالمرة الأولى كانت عام النكبة في 1948 حيث هجر جدّايَ من بير معين بالقدس، لقد هُجروا فسكنوا في حارة الشرف، وفي عام النكسة 1967 هُجرت عائلتي من حارة الشرفا بالقدس أيضًا إلى بيت حنينا، وها نحن الأبناء مع والدي نُهجّر من جديد في عام 2021 من بيت حنينا". ويستدرك:" لكننا باقون لن نغادر أرضنا وإن هدمنا بيتنا المكون من خمس شقق بأيدينا، فنحن لن نتركهم يسعدون ببيتنا ويسرقونه بخروجنا منه ونحن إن لم نهدمه أخرجونا بقوة السلاح وسكنوا في البيت وبين عشية وضحاها ستتحول المنطقة لبؤرة استيطانية جديدة تهدد كل البيوت المقدسية من حولها خاصة وأن منزل عائلة "النتشة" المجاور لنا سيطر عليه المستوطنون من قبل". ويكمل:" ها نحن ننصب خيمةً ونسكن فيها وعددنا 25 فردًا، ولن نغادر الأرض التي وُلدنا وترعرعنا فيها، فالمستوطنون متربصون، وإن تركنا المكان يومًا انقضوا على الأرض ووضعوا بيوتهم المتنقلة وأصبح المكان كله ملكهم بقوة سلاحهم وحماية جنود الاحتلال". هدم الذكريات ويصف علاء "للشرق:" كانت دالية العنب ذا الأخضر والأسود تكسو كل البيت منذ عام 2001، وتمتد على بيت الجيران، فلا نجلس إلا تحتها ولا نحتسي القهوة والشاي إلا تحتها، ولا نتسامر ونُمتّع عيوننا في ليالي البدر الساطع إلا تحتها". ويواصل:" في كل زاوية ذكرى، في الطفولة وفي الصبا والشباب، أيام كنا نقود دراجاتنا الهوائية أنا وإخوتي السبعة، ونلعب كرة القدم والغميضة وغيرها، لقد هدمنا كل زوايا ذكرياتنا من أجل ألا يسرقها المستوطنون". ويروي:" حتى القطط وعددها 13 قطة كانت تعيش بأمان في البيت تأكل وتشرب وتستأنس تحت ظل الدالية، اليوم جميعها تحوم حول الركام وكأنها تسأل عمَّ جرى".