أعطِ كل ذي حقٍ حقه

بقلم/ د. عبد الغفور كوناتودي: كانت المُعلّمة تقرأ تلك الأجوبة التي كتبها طلبتها لسؤالها البسيط «ماذا تحبّ أن تكون؟» أحلام الأطفال لا حدود لها، طبيب، مهندس، ممرّضة، معلّمة، جندي، طيّار.. القائمة تطول. وفجأة، تحيّرت من ذاك الجواب الغريب في إحدى الورقات: «جوّال ..!» يا للعجب، إنه يريد أن يصبح جوّالًا..! هل أراد بذلك حقًّا أن …

كانت المُعلّمة تقرأ تلك الأجوبة التي كتبها طلبتها لسؤالها البسيط «ماذا تحبّ أن تكون؟» أحلام الأطفال لا حدود لها، طبيب، مهندس، ممرّضة، معلّمة، جندي، طيّار.. القائمة تطول. وفجأة، تحيّرت من ذاك الجواب الغريب في إحدى الورقات: «جوّال ..!» يا للعجب، إنه يريد أن يصبح جوّالًا..! هل أراد بذلك حقًّا أن يصير «الموبايل» أم أراد معناه الأصلي يعني «من سيكثر التجوال»؟ في فترة الاستراحة، دعت صاحبَ الإجابة وتحقّقت من مقصده بجوابه ..! نعم، إنه يريد حقّا أن يصبح «موبايل»..!! لكنّ المعلّمة لم تستطع أن تستمع إلى تبريراته إلا وسقطت من عينها قطرة دمعة..! فما أجدر أن يكتب بذاك الجواب الغريب..! يقول إنه الابن الوحيد لوالديه. أبوه موظّف كبير لدى الحكومة، وأمّه ربّة البيت، يخرج أبوه مُبكّرًا إلى عمله ويرجع إلى البيت مُتأخّرًا، ومنذ رجوعه لا يزال مُعتكفًا على جوّاله، يلمسه ويربته ويركّز في شاشته فيتكلّم معه ويضحك له، يأكل وينام وهو في يده، فما كان من هذا الطفل البريء إلا أن يحسد ذاك الجهاز الذي يداعبه أبوه ويلاعبه ..!! فلو أنّ هذا المسكين جُنَّ من هذا أسفًا، ما كان عندي به ملومًا، بل كان به عندي جديرًا. فهل نحن مُتأكّدون أنّ أطفالنا لن يكتبوا أمثال هذه الأجوبة حينما يحصلون على فرص لفتح قلوبهم الصغيرة ؟ فهل نعطي لفلذات أكبادنا حقّهم من أوقاتنا ؟ نعم، لهم حقّ لازم في أوقاتنا لا يجدر بنا إنكاره مهما كنّا مشغولين، ربّما يسهل بنا كأولياء الأمور أن نطعمهم أطيب الطعام ونلبسهم أجمل الملابس ونشتري لهم أحسن الألعاب، لكنّ مسؤولياتنا لا تنحصر في ذلك أبدًا، لأنّ الطفل دومًا يرغب في صحبة والديه واكتساب عنايتهما ومحبتهما. تشير دراسة بريطانية إلى أن الأطفال الذين يقضون أوقاتًا أكثر مع آبائهم يتمتعون بنسبة عالية من الذكاء، كما أنهم أقل عرضة للمُشاركة في سلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل تعاطي المخدرات والكحول.