قطر وبريطانيا.. شراكة اقتصادية تزداد رسوخا
Al Arab
حققت العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين دولة قطر وبريطانيا، خلال السنوات الماضية، نقلة نوعية وتطورا ملحوظا على مختلف المستويات، وينتظر أن تزداد
حققت العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين دولة قطر وبريطانيا، خلال السنوات الماضية، نقلة نوعية وتطورا ملحوظا على مختلف المستويات، وينتظر أن تزداد رسوخا بعد زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلى لندن، ضمن جولة سموه الأوروبية. ودلت المؤشرات والخطوات، التي اتخذها البلدان خلال السنوات القليلة الماضية، ومنها العزم على إطلاق حوار استراتيجي، على أنهما حريصان على إكساب العلاقات الاقتصادية زخما أكبر في الفترة المقبلة عبر البحث عن محركات شراكة جديدة تشمل مختلف المجالات، في ظل حرص دولة قطر على تعزيز وتطوير علاقاتها مع مختلف دول العالم، وانفتاح أكبر على الاقتصادات العالمية، وسعي بريطانيا إلى تنويع قائمة شركائها الاقتصاديين، خاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، في تأكيد للخطوات التي قطعت في مسار تاريخي من الشراكة الناجحة بين البلدين. إن هذه الشراكة التي شهدت تطورا وتناميا تمتد إلى بدايات مرحلة استكشاف النفط في منطقة الخليج، حيث اضطلعت الشركات البريطانية بدور أساسي في تطوير صناعة النفط والغاز في دول المنطقة، ومنها دولة قطر، لتصبح الشركات البريطانية ذات حضور قوي في مختلف الأنشطة الاقتصادية، بما في ذلك قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة والخدمات المالية. وقد دفعت هذه العلاقات التاريخية والوطيدة بين البلدين إلى العمل بكل جهد لتعزيزها، فكانت اللقاءات والمنتديات محطات مهمة لبناء شراكة حقيقية تخدم مصالح البلدين، في ضوء الفرص المتاحة في قطاعي الاستثمار والتجارة، على غرار منتدى قطر والمملكة المتحدة للأعمال والاستثمار في لندن وبيرمنجهام في مارس من العام 2017، والذي عزز الحضور القطري في السوق البريطاني في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والخدمات والعقارات، وشكل فرصة ثمينة للشركات البريطانية للتعرف على أهم فرص الاستثمارات المتوفرة في العديد من القطاعات في دولة قطر. ووفرت الاتفاقيات والمعاهدات بين الطرفين، بدورها، الإطار الملائم لمزيد من تعزيز سبل التعاون في شتى المجالات، والتي يدعمها الرصيد الضخم للأصول القطرية بشقيها العام والخاص في بريطانيا إذ يقدر حجم الاستثمارات بنحو 40 مليار جنيه إسترليني، لتصبح قطر من بين أكبر المستثمرين في المملكة المتحدة. وتمتلك دولة قطر متاجر هارودز، ومباني شارد وكناري وارف في قلب العاصمة البريطانية، وكذلك استحوذت الدوحة على حصة في بورصة لندن، بالإضافة إلى نجاح جهاز قطر للاستثمار في الاستحواذ على 22 بالمئة من مجموعة متاجر سينزبري، و5.9 بالمئة من بنك باركليز. كما تترجم هذه العلاقات الاستراتيجية بين البلدين جملة من المشاريع الضخمة، واتفاقيات التعاون والشراكة، وتشمل بالدرجة الأولى قطاع الطاقة، حيث تعتبر محطة /ساوث هوك/ للغاز الطبيعي المسال، التي مر على إطلاقها ما يزيد عن 12 عاما، ركنا رئيسيا في هذه الشراكة، ومثالا يحتذى به في بناء علاقة تخدم مصالح الطرفين. وتؤمن صناعة الغاز القطرية 20 % من استهلاك بريطانيا من هذه المادة الحيوية، سواء على مستوى الأفراد أم الشركات، ومن المتوقع أن يتعزز هذا التعاون مع رغبة الحكومة البريطانية في رفع وارداتها من الغاز في إطار تنويع مصادر التزود لتتراوح بين 70 - 80 بالمئة بين العامين 2030 - 2040، وفق أحدث التقارير المتعلقة بالمجال. وفي ضوء هذه المعطيات، أصبحت المملكة المتحدة واحدة من أهم وأقوى الشركاء التجاريين لدولة قطر، حيث شهد حجم التبادل التجاري بين الجانبين ارتفاعا في العام 2021، وذلك بنحو 51.4 %، مقارنة بالعام 2020، ليصل إلى حوالي 4.54 مليار دولار أمريكي، ما يدعم مكانة المملكة المتحدة لتكون الشريك التجاري السابع لدولة قطر، هذا إلى جانب الحضور القوي للشركات البريطانية في السوق القطري، حيث يصل العدد إلى 1119 شركة. وفي خطوة تعزز مسار العلاقات التجارية والاستثمارية، التي تنعكس على التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتبادلة، افتتحت المملكة المتحدة في أواخر ديسمبر من العام الماضي مكتبا في مقر سفارتها بالدوحة، مخصصا لتمويل الصادرات البريطانية تلبية لمتطلبات خاصة بالمشاريع الكبرى في قطر. من ناحيتها، تلعب الاستثمارات الخاصة القطرية دورا كبيرا في الاقتصاد البريطاني من خلال الاستثمار في قطاع الضيافة، كفندق الريتز في لندن، الذي قدرت قيمة الاستحواذ عليه بنحو 700 مليون جنيه إسترليني. ويقول سعادة الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني رئيس غرفة قطر، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى المملكة المتحدة تفتح آفاقا واسعة لمزيد من التعاون في مختلف المجالات، خصوصا ما يتعلق بالتعاون التجاري والاستثماري، حيث تعتبر المملكة المتحدة شريكا تجاريا مهما لدولة قطر، وهنالك رغبة مشتركة في تطوير التعاون التجاري والاستثماري بين الجانبين. ويضيف سعادته أن دولة قطر تربطها علاقات تعاون وثيقة ومتميزة مع المملكة المتحدة، خصوصا في المجالات التجارية والاقتصادية، حيث يعكس ذلك النمو المتواصل في العلاقات التجارية والاستثمارية، لافتا إلى أن التبادل التجاري بين البلدين بلغ نحو 16.6 مليار ريال في العام 2021، مقابل 10.9 مليار ريال في العام الذي سبقه بنمو تزيد نسبته عن 52 %، ويشير إلى نمو العلاقات الاستثمارية بين البلدين في السنوات الأخيرة، وتشمل قطاعات متنوعة، مثل: العقارات، والضيافة، والبنوك، والطيران، وأسواق المال، وغيرها، وفي المقابل تتنوع الاستثمارات البريطانية في قطر لتشمل قطاعات، مثل: الطاقة، والصناعة، والشحن، والصحة، والتعليم، والتجارة، والمقاولات، حيث تتواجد مئات الشركات البريطانية في السوق القطري. ويقف البلدان اليوم على عتبة مرحلة جديدة من التعاون والشراكة الاقتصادية في ضوء التطورات والتوجهات والرؤى التنموية لكليهما، وهو ما يساهم في تعزيز وتعميق وتوسيع أطر هذه الشراكة ومجالاتها، بما يحقق أهدافهما وطموحاتهما المستقبلية. ومن جهته، أكد السيد جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي في مركز "كابيتال إيكونوميكس" للاستشارات الاقتصادية، أن تعزيز التعاون الاقتصادي بين قطر والمملكة المتحدة سيساهم -بلا شك- في تخفيف حدة أزمة غلاء المعيشة غير المسبوقة في بريطانيا، لافتا إلى أن قطر رفعت حجم صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى بريطانيا بنحو 10 % خلال أشهر فبراير ومارس وأبريل الماضية، وزيادة هذه الصادرات في الأشهر المقبلة سينعكس بالتأكيد على تخفيف وطأة أزمة أسعار الطاقة التي تعيشها بريطانيا هذه الأيام، "والتي نرى تأثيرها على المواطن العادي في حياته اليومية". وحول الدور الذي من الممكن تلعبه قطر في تعزيز أمن الطاقة في بريطانيا في ظل الأزمة العالمية الحالية، يرى سوانستون أن إعلان قطر زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال وفقا لخطة تستمر لمدة خمس سنوات، بالطبع سيعزز قدرتها على تلبية احتياجات السوقين البريطاني والأوروبي بشكل عام من الطاقة. وتوقع سوانستون، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أنه في حال تم توقيع اتفاقيات لاستيراد الغاز المسال من قطر الآن، فذلك من شأنه سد العجز المتوقع من الحظر المفروض على واردات الغاز والنفط من روسيا جراء الحرب في أوكرانيا، وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لبريطانيا. وفيما يتعلق بآفاق التعاون الاقتصادي بين قطر والمملكة المتحدة، يقول سوانستون: إن التعاون بين البلدين شهد زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة، مضيفا أن هناك مجالا بالطبع لتطوير هذه العلاقات، خاصة في إطار التبادل التجاري بين البلدين، وزيادة الاستثمارات القطرية المباشرة في بريطانيا، وكذلك الاستثمارات البريطانية في قطر. وتوقع زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ورغبتها في إقامة مناطق تجارة حرة، ستكون منطقة الخليج ضمن هذه المناطق، لافتا إلى أن افتتاح مكتب مخصص لتمويل الصادرات البريطانية مؤخرا في الدوحة يعد دليلا على رغبة لندن في توسيع حجم التجارة والاستثمار بين البلدين. وأوضح الخبير الاقتصادي في مركز "كابيتال إيكونوميكس" للاستشارات الاقتصادية أن مكتب الوكالة البريطانية لتمويل الصادرات، وهي وكالة ائتمان الصادرات التابعة للحكومة البريطانية، سيوفر بالتأكيد العديد من الخيارات المرنة والتنافسية بدعم من حكومة المملكة المتحدة وذلك بهدف دعم إنجاز المشاريع الكبرى في جميع أنحاء العالم، وتزويد تلك المشاريع بالسلع والخدمات البريطانية عالمية المستوى. واعتبر أن إقامة حوار استراتيجي بين البلدين يبرهن على رغبة قطر والمملكة المتحدة في توسيع مجالات التعاون بينهما، خاصة في الأمور الاستثمارية والتجارية، لافتا إلى أن حجم الاستثمارات القطرية في بريطانيا التي تبلغ أكثر من 40 مليار جنيه إسترليني، وزيادة حجم التجارة الثنائية 4.54 مليار دولار أمريكي قبل نهاية العام الماضي تؤكد أيضا حجم العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.